الرباط ـ 'القدس العربي' اعادت الذكرى الخمسون لرحيله الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي الى المشهد المغربي باشعاع الدور الذي لعبه في مقاومة الاستعمار الاسباني بدايات القرن الماضي وما مثله من رمز للمقاومة المستمرة وربطها بالتحولات المجتمعية نحو مجتمع ديمقراطي.
ولاحياء هذه الذكرى، نظم مركز الديمقراطية المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، وجمعية الريف للتضامن والتنمية، لقاء بالرباط يوم الجمعة الماضي تحت عنوان 'كيف يمكن استحضار الذكرى الخمسين لرحيل المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي؟' بحضور عدد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين والباحثين والأساتذة الجامعيين.
وقال إدريس اليازمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن عبد الكريم الخطابي بصَم ذاكرة الريف والمغرب بصفة عامة، وكان قدوة لباقي شعوب العالم، للتحرير من الاستعمار، مضيفا أن المغرب ما زال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والبحوث حول تجربة الخطابي، التي لم تعرف بعدُ كل معالمها، بسبب غياب الأرشيف الذي يوثق للمرحلة التي ناضل فيها ضد الاستعمار الفرنسي والاسباني، والذي ما زال موزعا بين فرنسا وإسبانيا، وجزيرة لارينيون حيث كان منفيا، إضافة إلى مصر، التي دُفن بها.
واستعرض اليازمي الإجراءات التي اتخذها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للمساهمة في حفْظ والبحث في تاريخ عبد الكريم الخطابي، من خلال دعم الدراسات والبحوث والأفلام الوثائقية المنجزة، وإحداث متحف في المنطقة، في إطار تفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، بهدف حفظ الأرشيف وصيانة ذاكرة الريف.
وقال اليازمي، إنّ المتحف، الذي ستحتضنه الحسيمة، لا يعني أنه سيكون منحصرا على مدينة الحسيمة لوحدها، بل سيهتمّ بكل المآثر التي تزخر بها منطقة الريف، داعيا إلى تحسيس جميع الفاعلين، من أجل تعبئة موارد مالية للمساهمة في إخراج المتحف إلى حيّز الوجود، حيث لم يتجاوز المبلغ الذي رُصد له لحدّ الآن 600 ملايين درهما (700 الف دولار)، ساهم الاتحاد الأروبي بـ4 ملايين درهما، و2 مليون مساهمة من الدولة، قائلا إن المشروع بحاجة إلى مساهمة القطاع الخاص، في ظل ضعف الميزانية المرصودة لوزارة الثقافة.
وقال عبد الكريم الخطابي، حفيد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، ان عائلة الزعيم الريفي وقائد مقاومته ضدّ المدّ الكولونيالي الإسباني، و بعد اتفاق أغلب أفرادها، 'ترفض أي محاولة للمساس بقبر الأمير الخطابي المدفون في مقابر الشهداء بالعباسية وسط دولة مصر'.
ونقل موقع هسبرس عن الخطابي 'لقد أوصى جدّي بعدم نقل رفاته إلى المغرب طالما هو مدفون في أرض مسلمة' واوضح ان 'الوصية شفاهية تناقلتها الأسرة.. لقد قالها لي والدي، و أكدتها عمتي رقية في مصر، وأيضا عمتي مريم في المغرب.'
وعن الدوافع الكامنة وراء عودة الجدل بخصوص نقل رفات محمّد بن عبد الكريم الخطابي لمعاودة دفنه بالمغرب، وضمن هذا التوقيت بالذّات المقترن بحلول الذكرى الـ50 لرحيل 'مُولاي موحنْد'، قال 'لا علم لي بأيّ من هذه الدوافع والأجدر أن يجيب عن ذلك من يطالبون بنقل الرفات للمغرب هم الأدرى بغايتهم من وراء ذلك'.
وعن مذكّرات الأمير، قال حفيد الخطابي إنّها 'لا يمكن أن تسلّم لأول سائل عنها'، كاشفا بأنّ نشر هذه المذكّرات التي خطّها محمّد بن عبد الكريم الخطّابي يعد 'موضوعا مازال قيد الدراسة بين أفراد عائلة الخطّابي'. وقال ان والده سعيد جمد نشاط 'مؤسسة محمّد بن عبد الكريم الخطابي' قبل ان تبدأ في عملها أصلا وخصّ ذلك بمؤتمر إعلامي وانه 'منذ ذلك الحين يتم استغلال المؤسسة بشكل يحيط به الكثير من الغموض' وقال 'هذا الأمر غامض فعلا بالنسبة لمعظم أفراد الأسرة، ولا ندري حتّآ من يدير هذه المؤسّسة التي تثار'.
وتحدث رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، عبد السلام بوطيب عن الظلم والتهميش الذي لحق بمنطقة الريف كثمن لمواقف الامير الخطابي الصلبة في رفض الخنوع والذل وقال 'كُتب علي في ما مضى، أن اعيش لحظة الظلم القاسي'، والتهمة هي 'الانتماء إلى منطقة الريف'، مضيفا، 'لكنني سامحت هؤلاء يوم انعقاد جلسات الاستماع في الحسيمة، والآن نحن منخرطون في التغيير دون الالتفات إلى الوراء من أجل مستقبل جديد'.. ودعا بوطيب إلى 'معالجة فترة دقيقة من تاريخ المغرب المعاصر معالجة دقيقة، لخدمة الحاضر والمستقبل، وإبداع صيغ جديدة للاشتغال على الماضي، دون الاستغلال السياسوي له'، كما أشار إلى إحداث جائزة تحمل اسم المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، للتنمية والبناء الديمقراطي.
الا ان احتفالات الذكرى الخمسين لرحيل زعيم الريف التاريخي اججت الخلاف بين رفاق الأمس من اليساريين الذين افترقت بهم السبل ما بين من ظلوا على مواقفهم ولم يبدلوا تبديلا، وما بين من يعتبرون أن الاصطفاف خلف السلطة في 'عهدها الجديد' سيمكنهم من تحقيق ما لم تحققه سنوات العزلة والتهميش الذي عانت منه منطقتهم.
ودافع الدكتور عبد الوهاب التدمري، أحد مناضلي الرعيل الاول من أبناء الريف، عن خطه النضالي الذي لايساوم ضد ما يصفها بتنازلات يقدمها رفاق له بالأمس لهم وجهة نظرهم في التغيير من داخل المؤسسات وبدعم من المخزن الذي يرى التدمري أنه سبب البلاء في كل ما حصل ويحصل لمنطقته ولأهله ليس في الريف وإنما في المغرب.
وقال التدمري في مذكرة احتجاج الى الجهات المنظمة لاحتفالية ذكرى الخطابي على رسالة ولاء بعثت للقصر الملكي ان الخطابي 'رجل ما كان يوما يعرف في حياته ومماته معنى الانحناء، رجلا دوما قامته مرفوعة الى السماء، تهون عليه كل المنافي والشهادة على التفريط في ذرة من الحرية والكرامة. حيث ابيت الا أن تخدش روحه وتسلم رفاته لتدوس عليها حوافر الأقزام التي فرطت في الأعراض والأوطان والقيم والانسان قبل وبعد الاستقلال. لكن هيهات، مهما فعلت، وأمثالك كثيرون، فالأحرار في حياتهم ومماتهم لايروضون، وارثهم سيبقى مزعجا ومؤرقا لمن هم في اجتتاثه حالمون، ينمو ويتجدد من حيث هم لا يعلمون.'
واكد التدمري في مذكرته ارسل نسخة منها ل'القدس العربي' انه يرفض القول أن المصالحة بين الدولة والمغاربة عامة والريف الكبير خاصة قد تمت ولم يتبقى الا عودة الرفات وأنه لا حاجة لاعتذار الحاكم ولا لحزب الاستقلال عن ما اقترفته ميليشياته من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في حق المغاربة عامة وأهلنا بالريف الكبير. لان 'الاعتذار قيمة أخلاقية من حيث هو اعتراف بالخطأ كمدخل أساسي لطي صفحة الماضي، وضمانة بما يقتضيه من قوانين وتشريعات تكفل حق الشعب في معرفة تاريخه الحقيقي والمساءلة و جبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة الجماعية، برموزها وأحداتها التاريخية.

 http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\24qpt948.htm&arc=data\2013\02\02-24\24qpt948.htm
تعليقات
0 تعليقات