الزيارات:
متى يقود الاسلام الحياة؟ د. كمال الهلباوي

مرسلة بواسطة Unknown يوم 0 التعليقات




عند مغادرتي فندق الساحة في بيروت صباح الخميس الماضي بعد نهاية المهمة الإعلامية التي سافرت إلى لبنان من أجلها ولمدة يوم واحد، قال لي موظف الاستقبال بالفندق، ستجد تاكسي لندن في انتظارك على الباب ليأخذك إلى المطار. قلت في نفسي، الرجل أخطأ وربما أنه يحلم بلندن، مثله مثل الكثيرين في العالم العربي. ما الذي سيأتي بتاكسي لندن إلى بيروت؟
وبمجرد الخروج من باب الفندق، وجدت تاكسي لندن الذي قال عنه الرجل، قلت لنفسي لعله سيارة خاصة يمتلكها أحد المعجبين بالغرب وتقليعات الغرب، والمغرمين بكل ما في الغرب من ثقافة وصناعة وتقنية وسلوك، لكن السائق لم يترك لي مجالاً لمزيد من التفكير والظنون، وناداني بأدب جم كعادة اللبنانيين رغم الصراع السياسي والطائفي والهم والبطالة والجوار السوري المزعج، اتفضل أنا في انتظارك لآخذك إلى المطار. ركبت ذلك التاكسي المريح الفسيح لخمس دقائق فقط، وصلنا خلالها إلى مطار بيروت الدولي الذي لا يبعد عن الفندق أكثر من ميل واحد على الأكثر ثم شكرت الرجل.
في بيروت حضرت تسجيل برنامجين عن الأوضاع القائمة في العالم العربي، وعن النمطية الثقافية والافتتان بالغرب. وبعيداً عن السياسة التي أبت في بلادنا بعد ثورات الربيع العربي، إلا أن تسير في سياسة الصراع وليس سياسة التنافس، وكل، في مجاله وميدانه، كما يقول الشاعر العربي، يدعي وصلا بليلى. وليلى هنا هى السياسة الرشيدة التي كان يتطلع إليها الثائرون واليائسون والمحبطون والمظلومون، خصوصاً في بلاد الربيع العربي.
العالم العربي ينظر إلى أن طوق النجاة في مصر، ويضعون على عاتق مصر، ثقة فيها وفي دورها وفي شعبها وفي الحركة الإسلامية والقومية فيها أيضاً، يضعون الكثير، مما كنا نتمنى أن يحمله عاتقها من دون كلل أو ملل، ولكن مصر غارقة في عدة مشكلات وتحديات كالأمواج العاتية، وتحتاج إلى حكمة وعقل لجمع شمل الوطن وتهدئة الأوضاع وعلاج الانفلات الأمني وحل الأزمة الاقتصادية في ضوء خطة إستراتيجية كاملة، تعتمد على استغلال الموارد الذاتية أولاً، وهي كثيرة، وبعيداً عن أن يتحكم فينا صندوق النقد الدولي بأموال بعض العرب وغيرهم وبشروط مذلة مهما كانت الصفقات وشهادات حسن السير والسلوك التي سيعطيها الصندوق لمصر.
أقول بعيداً عن السياسة ومنزلقاتها، والصراع وآثاره السيئة، والمستقبل الهزيل الذي نرسمه لأنفسنا أو يرسمه لنا الغير، فنقع فيه رغبة أو رهبة، استوقفني، نمط الحياة الذي نحياه اليوم وهو النمط الحضاري والثقافي، الذي يدل على قيمة الانسان وأهمية العصر، ويحتاج إلى إسهام، أرى أن أسسه ومقوماته موجودة عندنا في الإسلام بشكل كامل وفي كل دين سماوي، وعندنا في التاريخ الفرعوني والمسيحي والاسلامي. لقد طغى نمط الحياة الغربية في بلادنا وقيمنا وأعرافنا وأخلاقنا، فلم تعد الأسرة هي الأسرة، ولا المجتمع هو المجتمع، ولا القرية هي القرية وحتى البادية لم تعد بادية أصيلة بسيطة كما كانت.
هناك فرق هائل بين التقدم واستخدام أدوات العصر مع المحافظة على القيم الأصلية وبين الانسلاخ عن تلك القيم والمبادئ والذوبان في ثقافة وحضارة الآخرين، لأنهم تقدموا سياسياً واقتصادياً وتقنياً واتصالاتياً كذلك. أصبحنا نأكل كما يأكلون من الوجبات السريعة، ويعيش الأكثرية نمط الحياة الذي رسموه لهم ولنا في الترفيه والتسوق، وحتى في تظاهر المرأة عارية أو شبه عارية حتى ممن ينتسبون إلى الدين العظيم، وحركة 'فيمن' خير دليل على ذلك، وأصبحنا نقلدهم في الملبس وبعض طرائق الحياة الاجتماعية والسلوكية 'إن الذين كفروا يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام'، ولكننا أبداً لم نستطع أن نفكر كما يفكرون في المستقبل، ونسعى لغزو الفضاء كما يسعون، والانتاج كما ينتجون، رغم اعتمادنا على نمط الاقتصاد الوطني ولكنه مرتبط بنظرية السوق الحر والرأسمالية القادمة أيضاً من الغرب. فأين نحن من'جوعوا تصحوا' أو من ' حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه' أو من ' اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم' أو 'أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد'. لقد تخطى التقليد كل شيء حتى متطلبات الأمن الحديثة للرؤساء والمسؤولين.
إن حالة الهزيمة النفسية أمام العالم الغربي ومشروعه الحضاري، وهي الحالة التي حذر منها ابن خلدون، تكاد تكون قائمة عندنا في كل بلادنا، فالكثير من أسماء المحلات والمصانع، بل والمستشفيات والصيدليات تكتب باللغة الإنكليزية أو الفرنسية ولو بحروف عربية. هل فعلاً انهزم العرب والمسلمون أمام المشروع الثقافي والحضاري الغربي واستسلمنا لقيمه ومبادئه؟ هل فعلاً كما يقول ابن خلدون' المهزوم يولع بثقافة المنتصر، والمغلوب يحاكي أو يقلد حضارة وثقافة الغالب'؟ وهل يتعدى هذا الولع والمحاكاة إلى التقدم العلمي والتقني كما يتقدمون؟ هل لا نزال كما يقول مالك بن نبي لدينا مهارة 'القابلية للاستعمار' إن كانت تلك السمة مهارة؟.
هذه هي كوريا الشمالية تهدد باستخدام النووي لضرب أمريكا أو أهداف أمريكية، رغم وجود أمريكا القوي في كوريا الجنوبية. لقد قسّم الاستعمار كوريا إلى جنوب وشمال، كما قسمت سايكس بيكو بلادنا واستسلمنا إلى هذا التقسيم، ندافع عنه وكأنه قرآن أو سنة. آه لو كان هذا التهديد لأمريكا من العراق او سورية أو مصر أو غيرها من بلاد العالم العربي، لحاصرتها أمريكا كما تحاصر إيران وتستعد مع إسرائيل لضربها ومحوها من الخريطة إن استطاعت. ولكن سوء السياسة الأمريكية كان سبباً في كثرة أعدائها، خصوصاً من غير العرب، أما العرب لا سيما الخليج فيستمتعون بالقواعد العسكرية والخبرات العسكرية والتدريب العسكري الأمريكي والسلاح الأمريكي كما يستمتعون بـ'البيرجر'، وكأنه هو النمط الراقي أو الحضاري الذي لا غنى عنه.
بعضنا يذهب إلى سويسرا وجبالها للتزلج، ولو أصلحنا جبال هندوكوش في أفغانستان وبعضها لا ينزاح عنه الثلج الكثيف حتى في أشد فصول السنة حرارة، لكان ذلك أجدى وأولى. ذهبت إلى غزة منذ أسبوعين لحضور ندوة عن حقوق الإنسان، ولم يكن هناك أي مصايف محترمة أو حتى بدائية على طول الشاطئ من بورسعيد وحتى رفح المصرية، أقول رفح المصرية لأن هناك للأسف الشديد، نصفها أو أختها التي تبكي الحصار، رفح الفلسطينية.
هناك تأثير كبير وضغط إعلامي وإعلاني وترويجي بكل الأساليب الصالح منها والطالح، الجيد منها والسيئ لزيادة الاستهلاك في بلادنا من المنتجات الغربية، التي يستخدم بعضها للتأثير على وعي الإنسان، فتراه يجري وراء السلع الغربية ولو بالاقتراض أو الدين من البنك ويتفاخر باقتنائها، ويتطاول أحياناً على من لا يجد إليها سبيلا من بني جلده.
أمريكا تستخدم قوتين للتأثير والحفاظ على مصالحها ومصالح إسرائيل ولو اقتضى ذلك تدميراً للآخرين، القوة الخشنة والقوة الناعمة، رأينا ذلك في أفغانستان وفي العراق كأمثلة بارزة، ونراه يجري اليوم في سورية كذلك التي تسير في طريق الأفغنة أو اللبننة قديماً أو الصوملة، وتملك أمريكا اليوم- بصرف النظر عن النظام القاتل الحاكم في سورية أو المعارضة المبعثرة التي يرسم لها الآخرون طريقها- أقول تملك أمريكا، مفتاح التدخل في سورية في أي وقت، يكون مناسباً لها ولاسرائيل، وذلك لمواجهة الارهاب كما حددته وتراه أمريكا في جبهة النصرة.
في ظل الفتاوى الشاذة التي ورثنا فلسفتها عن الغرب أو نشأت من الجهل بالاسلام الوسطي وتفسير الضرورات تبيح المحظورات مثل فتاوى 'هاتولي راجل' 'وجهاد المناكحة' أو 'اللواط المباح'، تحتاج الأمة إلى أئمة معاصرين يستطيعون الاجتهاد في ضوء مقتضيات العصر، ويقودون الأمة من خلال المساجد وأجهزة الإعلام الرسمية والخاصة إلى التقدم والوحدة، وترسيخ النموذج الحضاري الثقافي القيمي الذي تحتاج إليه البشرية اليوم رغم تقدمها العلمي والحضاري الهائل.
كيف نوجد البيئة اللازمة والرعاية المطلوبة للتقدم العلمي مع الحفاظ على القيم والمبادئ والثوابت في كل شيء. انا متأكد أن عندنا شبابا في ذكاء وقدرة تيم بيرنرز لي الذي اخترع الشبكة العنكبوتية، وهناك الشاب الطالب ذو السبعة عشر عاماً نيك دالوازيو- البريطاني، الذي ابتكر مؤخراً تطبيقاً جديداً للهواتف المحمولة الذكية يُراكم به الأخبار الجديدة مختصراً إياها لتصبح سهلة القراءة عبر الهواتف المحمولة. وباع هذا الشاب المراهق الاختراع لشركة 'ياهو' بثلاثين مليون دولار. أين شبابنا من هذا الاهتمام والتفكير العلمي والتفوق؟ علينا أن نجمع بين خيري الدنيا والآخرة ونقدم النموذج للآخرين'ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة' ولكن كيف؟

هناك نماذج حياتية تنموية استقلالية عظيمة معاصرة في البرازيل لولادي سيلفا، وفنزويلا هوجو تشافيز، وبوليفيا إيفو مورالس وجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا وغيرهم. إنهم أصحاب مناهج حياتية عظيمة فيها استقلال واحترام وحسن استغلال لقدرات الوطن والمواطن، ولكنها لو دعمت بالقيم الحضارية الاسلامية العظيمة ستكون النموذج الذي يجتذب أنظار العالم، وتكون للأمة قيمة حضارية عظيمة وتنسلخ عن التقليد النمطي الأعمى، وتقلع عن التغرب والتغريب أو الاستغراب.

' كاتب مصري
تعليقات
0 تعليقات